هل تتصور أن تصبح بين عمال مشردين ينتظرون ملوحين في برد الشتاء وشمس الصيف على الأرصفة في الميادين؟ تمد أمامك مجموعة مربوطة معا من الأزاميل والشواكيش طلبا لمن ينتقيك من بين وفرة أقرانك لعمل قاس بدنيا باليومية. 

هل تعرف حسرة أن يمر النهار، ويحل عليك ظلام الليل فلا تغادر بقعتك على الرصيف،  فتبقى كالمشلول جالسا في مكانك على أمل أن يمر مجهول ليطلبك لنظافة منزل، وحتى لا تعود لزوجتك وأولادك بما هو أدني من حلم يومية العامل الفاعل (200 جنيها)، فأي كابوس هذا. 

قبل أن تضعوا رؤوسا على وسائد النوم، استمعوا لاستغاثة عمال وموظفي شركة "رؤية" للمقاولات وأعمال البناء عن معاناتهم المتزايدة منذ تغيير الملكية والإدارة في عام 2018 وضم شركتهم لمجموعة "بايونيرز". وهم منذ سنوات وفي ظل غلاء يزيد فحشا، بلا أرباح ولا علاوات سنوية ولا غلاء معيشة هزيل بالأصل. بل وامتد الحرمان ليشمل بطاقات التأمين الصحي للعام الحالي2023. وبلا نقابة تمثلهم، برزت بين الـ 350 عاملا وموظفا بالشركة مجموعة تفاوض، كان مصيرها لإرهاب الجميع منع صرف رواتبها عن شهر يوليو الماضي لعدة أيام. وهذا مع أن عمال "رؤية" لم يمارسوا حقوقهم الدستورية والقانونية في الإضراب عن العمل.

كوابيس  عمال"رؤية" لا تختلف كثيرا عن زملائهم العاملين في آلاف شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وحتى بعض الكبيرة، وهي المهددة اليوم وغدا بالبيع والشراء والإندماج وبالتصفية والإفلاس وتغيير النشاط. وهذا في موجة ثانية بعد آثار موجة إسناد المشروعات الكبرى ومقاولاتها بالأمر المباشر على مدى نحو عشر سنوات. واليوم سألت غير مهندس في قطاع المقاولات، فأكدوا غياب دراسات منشورة عما جرى ويجري بين موجة مازالت آثارها السلبية قائمة وجديدة في الأفق، وعواقبها على التشغيل والمهندسين والعمال. بل واتضح كذلك أن نقابة المهندسين العريقة لا يوجد بها مركز دراسات ومعلومات لنسأل. لكن الجميع حذروا من آثار كارثية للأزمة الاقتصادية المتفاعلة حاليا على المقاولات والعاملين بها. فمن يسمع ومن يرى ويفهم مغزى كوابيس عمال "رؤية" اليوم، ويتحرك من أجلهم؟.  وكيف بإمكان هؤلاء العاملين أن يبدأوا في التضامن معا؟، ولأن الأزمة ستكون قاسية واسعة النطاق.

عجايب!
----------------------------------------
بقلم: كارم يحيى